في زاوية مقهى قديم، لا يرتاده إلا الغرباء والمعتادون على الوحدة، كان هناك كرسي خشبي دائمًا ما يبقى فارغًا. الطاولة التي تحته تعرف كل القصص، والساقي لا يسأل كثيرًا، بل يكتفي بمسح الطاولة كما لو كان يطرد منها ذاكرة.
تجلس “ليلى” هناك منذ شهور، تأتي بصمت، تضع كتابًا أمامها، تطلب قهوتها، وتبقي المقعد الآخر شاغرًا.
كأنها تنتظر أحدًا لا يأتي. أو لعلها لا تريد لأحد أن يأتي.
ذات مساء، جلس رجل في ركن بعيد، راح يراقب المقعد الفارغ، ثم نظر إلى ليلى. قال للنادل:
– “ما قصّة هذا المقعد؟”
أجابه النادل دون أن ينظر إليه:
– “إنه مشغول، لكنه فارغ.”
– “كيف؟”
– “كان يجلس فيه رجل، لكنه لا يجلس الآن. هو فقط يمرّر الوقت في أماكن أخرى.”
ليلى سمعت الحوار، لكنها لم تلتفت.
كانت تعرف أن الرجل الذي اعتاد الجلوس أمامها لم يملك الشجاعة يومًا أن يُعرّفها على زوايا حياته الأخرى.
كان يجلس معها فقط حين لا يكون مطلوبًا في أي مكان آخر.
كانت تضحك معه، تُسقيه من دفئها، ثم تعود إلى وحدتها حين ينهض كأنه لم يكن.
في آخر لقاء، قال لها:
– “اليوم لا أستطيع أن أبقى، أنا لست في “المود” .”
ثم مرّت ساعة فقط، وظهر في صورة جماعية على طاولة مليئة بالضحك.
منذ ذلك اليوم، لم تعد ليلى تنظر إلى المقعد.
لم تكن تبكي، لكنها كانت تفهم.
أن بعض الكراسي تحفظ دفء الجلوس، وبعض الناس لا يتركون سوى الظلال
اخر الكلام
أحيانًا، لا تكون المشكلة في من غادر الطاولة، بل فيمن أصرّ أن يُبقي مقعده محجوزًا، رغم أنه اختار الجلوس في أماكن أخرى.