الناشطة رندة شبّاح : بيئات العمل السامة تستهلك شباب تونس بصمت

- صحة نفسية على المحك
تؤكد رندة أن الخطر الأكبر لا يكمن في ساعات العمل الطويلة فقط، بل في المناخ النفسي السام الذي يُفرض على الموظف دون توقف. التوتر يصبح نمط حياة، الشعور بالدونية يتسلل تدريجيًا، والتساؤلات المؤلمة تبدأ بالتكرار: هل أنا فاشل؟ لماذا لا يُقدَّر جهدي؟ هل أستحق ما يحدث لي؟ هذه الحالات، كما تقول، لا تُعالج ولا تُؤخذ على محمل الجد. “كثير من الشباب يتحدثون عن شعور بالاختناق، فقدان السيطرة على الذات، أو رغبة في الهروب من كل شيء. لا توجد فضاءات للاستماع، ولا آليات لحمايتهم من الانهيار البطيء الذي يمرّون به وهم صامتون.”
- بين مطرقة البقاء وسندان الاستقالة
ورغم كل هذا الألم، يبقى عدد كبير من هؤلاء الشباب في وظائفهم. لماذا؟ تجيب رندة دون تردد: “لأن قرار الاستقالة في تونس اليوم ليس قرارًا مهنيًا، بل مصيري. إنه قفز في المجهول. كثيرون يقولون لي: ‘نحن نعلم أن ما نعيشه يهيننا، لكن ما البديل؟’”. الوظائف الشاغرة نادرة، التوظيف عشوائي، والعقود هشة، تضيف رندة. “الاستقالة تتطلب شجاعة كبرى، لكنها تتطلب قبل ذلك شيئًا أهم: ضمانات بعدم السقوط في فراغ وجودي واقتصادي”.
- تأثير مجتمعي أعمق مما نظن
تُحذّر رندة من التأثير الجماعي لهذا الوضع على المجتمع بأسره. فحين يتحوّل العمل من مساحة لبناء الذات إلى مصدر يومي للتآكل الداخلي، تتفكك علاقة الشاب بمحيطه، وتضيع بوصلته. “نرى شبابًا فقدوا القدرة على التواصل، على الإبداع، على الانتماء. البعض يغادر البلاد، والآخر ينزوي، وآخرون يفرّغون الغضب في محيطهم أو أنفسهم”. وما يحدث، برأيها، ليس مجرد أزمة مهنية، بل أزمة قيم وثقة. “حين لا يشعر الشاب أنه يُحترم أو يُعترف بوجوده، لا يعود لديه دافع ليكون مواطنًا فاعلاً. هنا يبدأ الخلل الأخطر”.
- الحلّ ليس مستحيلًا… لكنه يتطلب إرادة
تختم رندة حديثها بالتأكيد على ضرورة إطلاق حوار وطني جاد حول ثقافة العمل في تونس. لا يمكن معالجة الوضع بتغيير أفراد أو قوانين فقط، بل لا بد من تغيير الرؤية: “نريد أماكن عمل تعترف بالبشر، لا تُعاملهم كأرقام. نريد احترامًا، آفاقًا، ومساحات للنمو، لا للنجاة فقط”. وأضافت: “ما نطلبه ليس ترفًا، بل الحد الأدنى من العدالة النفسية. قبل أن نسأل الشباب لماذا لا ينجحون، لنسأل أولاً: في أي بيئة نضعهم كل صبا