اخبار المجتمع

سلمى …” مئة سنة من العزلة “

بقلم رندة شبّاح

لم يُدعَ أحد. لا عمّة، لا خالة، لا صديق قديم. زواج، حفل أنيق، ورد أبيض على الطاولات، موسيقى خافتة، وعدد المدعوّين لا يتجاوز أصابع اليدين.

حين سُئلت سلمى عن السبب، أجابت باقتضاب: “نحب الخصوصية… والعين حق.” قالتها كأنها تُغلق بابًا بوجه العالم، وتبتسم بأدب.

كان كل شيء في حياتها ملفوفًا بورق الصمت الأنيق.

تخرّجت أختها، ولم يُبارك لها أحد. وضعت زوجة أخيها مولودها الأول، فلم يُقام سبوع.

تغيّرت الأحوال، تقدّم الأهل في السن، غابت الزيارات، ولم يعُد يُفتقد الغائب. وكل مرة، كانت العبارة الجاهزة تُرفرف كراية ناعمة: “اقضوا حوائجكم بالكتمان.”

لكن الكتمان عند سلمى لم يكن حذرًا… كان عزلة مغلّفة بالحكمة.

كانت تعتقد أن الفرح حين يُشارك، يُخدَش. أن الألفة تُنقص البركة. أن العلاقات لا تحتمل الضوء.

ولم تكن وحدها. أصبحت عائلتها بأكملها تمارس هذا “التحصين” الاجتماعي: لا أحد يعلم شيئًا عن أحد، لا أحد يُشارك، لا أحد يسأل كثيرًا.

كلٌّ في قوقعته يظنّها قلعة.

وذات مساء، في جنازة بعيدة، التقت سلمى أبناء عمومتها الذين لم ترهم منذ زمن.

وقفت حائرة: من هؤلاء الفتيان؟ من هذه الطفلة التي تواسي جدّتها؟

لم تعرف الأسماء، ولا التفاصيل، ولا القصص الصغيرة التي تصنع العائلة. وحين عادت إلى البيت، فتحت صور زفافها المخزّنة في ألبوم مؤمّن على هاتفها.

تأملت وجهها المبتسم، وزوجها بجانبها، وأمّها تباركها من بعيد…

ثم أدركت شيئًا مرعبًا: لا أحد يذكر تلك الليلة سواها.

لا أحد عاش فرحتها. لا أحد امتلك صورة منها. كأنها لم تحدث.

قالت لأختها وهي تقطع الصمت: “هل تظنين أننا نجونا من الحسد فعلاً؟”

ردّت أختها بعد لحظة صمت: “لا… لكننا لم ننجُ من الغربة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى