قمتُ بجلسة تصوير في عيد ميلادي الثالث والثلاثين.
ارتديت فستانًا أبيضًا قصيرًا ،
رفعت شعري في تسريحة أنيقة،
وانتعلت حذاءً أزرق، وأمسكت بباقة بالونات متناسقة الألوان.
ابتسمت للعدسة، عدّة مرات، ثم اخترت الصورة الأنسب
: تلك التي لم تظهر فيها التجاعيد، ولا تعب السنوات، ولا لحظة الشرود التي باغتتني بين لقطة وأخرى.
لكن رغم كل شيء… لم أفرح بالصورة.
ربما لأنني في تلك اللحظة، كنت أفتقد شيئًا لا تلتقطه العدسة.
كنت أفتقد طبق “البشكوطو ڨوفرات” مصندقة الشكل التي يفوق ارتفاعها الصنتيمتر، و”الڨازوزة” في أكواب فخمة شفافة ،
تلك الأكواب المرفوفة التي لا نراها إلا في المناسبات السعيدة ، و الفواكه الجافة اللي تتوزّع في ورق ملوّن .
كنت أفتقد صوت الحضور وهم يقولون لأمّي: “الله يخليلك بنتك، كبرت ما شاء الله!”، و”البنات” يتسابقن على كعكة “الجنواز” اللي صنعتها أمّي بكل فخر، حتى وإن كانت مائلة على جنب.
كنا نحتفل دون مبرّر جمالي، ولا تخطيط فوتوغرافي. كانت الفرحة خامّة، عفوية، نابعة من الداخل، لا مدفوعة باللايكات.
اليوم، صرنا نجهّز عيد الميلاد كما نجهّز عرضًا للتسويق.
نقيس الفرح بمدى جمال الصور، لا حرارة القلوب.
نختار المكان حسب الإضاءة، والضيوف حسب مهاراتهم في التصوير.
نضيّق على اللحظة الحقيقية، ونوسّع المساحة للصورة “الأنستاغرامابل”.
فعيد الميلاد صار مشروعًا بصريًا، موجهًا لجمهور غير مرئي.
الأمهات لم يعدن يُجهزن الكعكة، بل نطلبها جاهزة بـ”ديزاين” مخصوص. الصديقات لم يعدن يأتين ليضحكن، بل ليصوّرن. والهدية؟ تُفتح فقط إذا كانت “تصويرة تليق بالستوري”.
صرت أنا أيضًا جزءًا من هذا العالم. صوّرتُ، ابتسمت، عدّلت الفلتر، وكتبت العبارة المناسبة تحت الصورة.
لكن، عندما أطفأت الشموع، لم أتمنّ سيارة، ولا سفرًا، ولا حُبًا…
بل تمنّيت أن أعود، فقط للحظة، إلى عيد ميلاد واحد في التسعينات.
واحد فقط. ذلك الذي تشوهت فيه أيادينا الصغيرة بكعكة الجنواز ، والضحك على وجوهنا كان أعذب من أي مكياج، والكاميرا لم تكن مهمة… لأننا كنا نحفظ اللحظات في الذاكرة، لا في الهواتف المحمولة .
— اليوم، لا أعتذر عن صورتي. لكنني أشتاق لما كان خارج الصورة.