في خضمّ التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها تونس، تزايد الحديث في الأوساط السياسية والشعبية وحتى النقابية حول احتمال حل الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أعرق المنظمات الوطنية، من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد فهل هو احتمال وارد أم مجرد تهوبل اعلامي ؟
الاتحاد العام التونسي للشغل: عمق تاريخي ومكانة رمزية
يُعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تأسس عام 1946، من أهم ركائز المشهد الاجتماعي والنقابي في تونس. لم يكن مجرد منظمة عمالية، بل لعب دورًا محوريًا في معارك التحرر الوطني، ثم في دعم الانتقال الديمقراطي بعد الثورة، وهو أحد الرباعي الراعي للحوار الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2015.
لكن في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ تولي الرئيس قيس سعيد السلطة في 25 يوليو 2021، بدأت العلاقة بينه وبين المنظمة تتجه نحو التوتر، خاصة بعد الخلافات حول الإصلاحات الاقتصادية، واتهام المنظمة بعرقلة بعض المسارات الحكومية.
مؤشرات توتر العلاقة بين قيس سعيد واتحاد الشغل
الرئيس قيس سعيد لم يُخفِ استياءه من بعض مواقف الاتحاد، وعبّر مرارًا عن رفضه لما اعتبره “تدخلاً في الشأن السياسي”، مشيرًا إلى ضرورة “تنقية المناخ العام من اللوبيات ومن يسعون لعرقلة إرادة الشعب”.
كما أن بعض الإجراءات الحكومية كُرّست لتقليص نفوذ المنظمات الوسيطة، ومن بينها النقابات. كما تمّ التضييق على تحركات الاتحاد، وإيقاف عدد من النقابيين بتهم تتعلق بالفساد أو التحريض على التمرد، وهو ما فُسِّر على أنه رسالة مباشرة لإضعاف المنظمة.
هل حل الاتحاد خيار مطروح دستوريًا؟
من الناحية القانونية، لا يوجد في الدستور التونسي ما يسمح بحل اتحاد الشغل** بشكل مباشر إلا إذا ثبت تورطه في نشاط غير قانوني يهدد الأمن العام. ومع ذلك، يمكن اللجوء إلى وسائل غير مباشرة مثل تجميد أمواله، أو تشتيت قوته داخليًا عبر تشجيع نقابات بديلة.
لكن حل اتحاد الشغللن يكون مجرد قرار قانوني، بل هو رهان سياسي محفوف بالمخاطر، إذ أن المنظمة ما تزال تحظى بدعم شريحة كبيرة من الشعب، ولها امتداد في كل القطاعات، وقد يفتح ذلك الباب أمام توترات اجتماعية غير محسوبة العواقب.
ردود الفعل الشعبية والنقابية
في المقابل، عبر العديد من النقابيين والمواطنين عن تخوفهم من هذا السيناريو، معتبرين أن **اتحاد الشغل خط أحمر وأن استهدافه هو استهداف للاستقرار الاجتماعي. في المقابل، يرى البعض أن إصلاح المنظمة أو تفكيك نفوذها بات ضروريًا للحد من هيمنتها على القرار الاقتصادي والسياسي.
خلاصة: هل يُقدم قيس سعيد على حل اتحاد الشغل فعلاً؟
لا شيء رسمي حتى الآن، لكن كل المؤشرات تُظهر أن العلاقة بين الطرفين تتجه نحو مزيد من الصدام. وإن كان الحل القانوني مستبعدًا في الظرف الراهن فإن الرغبة السياسية في تحجيم دور المنظمة تبدو واضحة. أما قرار حل اتحاد الشغل، فسيكون بمثابة الزلزال السياسي الذي قد يعيد تشكيل ملامح المشهد التونسي برمّته.