CCF
المؤسس المرحوم صلاح الدين الشيباني
الوكيل تعد السيدة سامية الجريدي الشيباني واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في تونس التي نجحت في شق طريقها في عالم الصناعة، متحدية كل الظروف والصعوبات التي واجهتها على مدار سنوات. إنها مثال حي على الصمود، العزيمة، والإصرار. بدأت مسيرتها كتلميذة متميزة في المدرسة العمومية التونسية، ثم مهندسة ميكانيكية متفوقة في الولايات المتحدة الأمريكية، لتنتقل في نهاية المطاف إلى ميدان صناعة التمور في مدينة دوز، حيث أسست مع زوجها المغفور له المهندس صلاح الدين بن علي الشيباني واحدًا من أعرق المصانع في القطاع.
البداية: من التعليم إلى عالم الهندسة والصناعة
في عام 1982، نالت السيدة سامية منحة دراسية بعد نجاحها في الباكالوريا، وتوجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتكمل دراستها في مجال الهندسة الميكانيكية. بعد عودتها إلى تونس، عملت في وزارة الصناعة كإطار متخصص، ووضعت بصمتها في هذا القطاع. لكن حياتها المهنية أخذت منحى آخر عندما قررت الالتحاق بزوجها في دوز في عام 1996، بعد ان أسس مصنعًا لإنتاج التمور منذ عام 1995. كانت هذه اللحظة بمثابة نقطة تحول في حياتها، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على مستوى حياتها المهنية أيضًا.
تأسيس المصنع: حلم مشترك ودور البحث العلمي
كان حلم زوجها صلاح الدين منذ البداية ليس مجرد التجارة في التمور، بل تثمينها و تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة. وفي فترة كانت فيها المشاريع الاقتصادية في المنطقة تواجه تحديات كبيرة، بدأ صلاح الدين رحلته نحو صناعة فريدة، كان جوهرها البحث العلمي والابتكار. كانت خطوة تأسيس المصنع مدفوعة بإيمانه العميق بأن التمور التونسية يمكن أن تُعالج وتُصنع بأحدث الأساليب لتصبح منتجًا ذا سمعة عالمية.
بدأ المصنع بإنتاجPoudre de Dattes ( في عام 2000، وهو واحد من أول الابتكارات في القطاع. ومع مرور السنوات، استمر المصنع في تطوير منتجات جديدة من التمور باستخدام تقنيات مبتكرة، ليصبح واحدًا من المصانع الرائدة في هذا المجال.
التحديات المبكرة: ريادة في الأزمات
كان الطريق أمام المصنع مليئًا بالتحديات، خصوصًا في مجال التسويق في مرحلة ما بعد تحرير السوق من احتكار الدولة . لكن المرحوم صلاح الدين وزوجته سامية لم يستسلما أمام هذه الصعوبات، بل تمكنا من فتح أسواق جديدة اهمها في ألمانيا، التي تعتبر واحدة من أكبر الأسواق للتمور، ثم امتد النشاط ليشمل الولايات المتحدة الأمريكية، النمسا، و هولندا .
منذ عام 2000، انخرط المصنع في برنامج إعادة هيكلة المؤسسات (Programme de Mise à Niveau) الذي سعى إلى تحديث آلات الإنتاج وتعزيز قدرة المصنع على التنافس في الأسواق الدولية و تم احداث مخبر متميز مخصص للبحث و التحليل و تم اضافات الات جديدة و تنويع المنتوجات . لكن التحدي الأكبر ظل في تأمين التوزيع والتسويق، وهو ما تطلب تفكيرًا استراتيجيًا طويلاً في كيفية فتح أسواق جديدة وتوسيع نطاق المنتجات.
رحيل صلاح الدين: تسلم الراية وتحمل المسؤولية
في عام 2017، رحل صلاح الدين الشيباني عن الحياة بعد مسيرة حافلة من العطاء والتفاني. كانت هذه اللحظة بمثابة اختبار كبير لـ السيدة سامية، التي وجدت نفسها تقف على رأس المؤسسة، وقد تبعت خطوات زوجها في الحفاظ على استمرارية المصنع، رغم التحديات العديدة التي كانت تواجهها.
أغلقت بعض الأبواب أمام المصنع، خاصة تلك المرتبطة بالبنك، مما جعل السيدة سامية في مواجهة صعوبات غير متوقعة. إلا أنها لم تترك المجال للقلق يسيطر عليها، بل اختارت التصدي للأزمة بتوجيه رسائل طمأنة إلى الحرفاء، ودعوتهم لزيارة المصنع للتأكد من استمرارية العمل فيه ساعدها في ذلك سمعة المؤسسة و صبر العمل و ثقة المزودين و نبل تعامل الحرفاء معها . كانت هذه الخطوة بمثابة تأكيد على قوة القيادة النسائية وقدرتها على إدارة الأزمات بنجاح.
دور العملة وصمود المرأة في ديمومة المصنع
منذ تولي السيدة سامية القيادة، كان لها دور أساسي في ضمان استمرارية المصنع، وخاصة من خلال العمل الجاد الذي بذلته مع العمال. هؤلاء العمال الذين كانوا، وما زالوا، العمود الفقري للمصنع، هم من صمدوا إلى جانبها في أحلك الظروف، وكانوا القوة التي ساعدت على تجاوز الصعوبات. العمل و الاجتهاد الذي أظهره العمال، وخاصة في ظل الأوقات الصعبة، شكل مصدر قوة إضافي للمصنع، إذ كان الجميع يعملون بروح الفريق الواحد لتحقيق الهدف المشترك.
السيدة سامية استطاعت أن توازن بين دورها كمديرة، وبين المحافظة على التواصل الدائم مع العمال، فكان لديهم الثقة في قيادتها ونجحت في الحفاظ على استقراره في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
النجاحات المستقبلية والطموحات: نظرة نحو العالمية
اليوم، تواصل السيدة سامية العمل بلا كلل ولا ملل، لتوسيع دائرة الانتشار العالمي لمنتجات المصنع. نجاحاتها لا تتوقف عند الأسواق الأوروبية فقط، بل تشمل طموحًا أكبر، وهو إدخال منتجات المصنع إلى أسواق جديدة مثل الصين و اليابان، لتصبح CCF علامة تجارية معترفًا بها عالميًا. و لا يتوقف الطموح عند هنا بل سعي سامية الجريدي الدؤوب هو تصنيع منتجات نبيلة des produits nobles بالاعتماد على احدث التكونولوجيات المتطورة .
و الجدير بالذكر ان سامية الجريدي نالت جائزة التقدم الاجتماعي تقديرًا لمساهمة مؤسستها في الاقتصاد التونسي، وإسهامها في خلق فرص عمل، خاصة للعمال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يعكس تميز العمل الاجتماعي والمجتمعي الذي يقوده CCF . وهو الذي يؤمه قرابة 100 موطن عمل مباشر و يوفر لمئات اخرى من العائلات مورد رزق و يكفل لهم حقوقهم الاجتماعية كاملة بقطبيه في دوز و الحامة .
خاتمة: قيادة امرأة تتحدى المستحيل
السيدة سامية الجريدي الشيباني هي بحق مثال للمرأة القوية التي واجهت التحديات، تخطت الصعاب، ونجحت في مواصلة حلم زوجها لا يزال يزدهر. بقيت صامدة أمام كل الظروف، تحملت المسؤولية بشجاعة وإصرار، وأثبتت أن المرأة يمكن أن تقود وتحكم في مجال الصناعة وتحقق النجاح.
المصنع الذي بدأ كفكرة بسيطة، أصبح اليوم رمزًا للنجاح، ومثالًا على أن الإرادة والتفاني في العمل قادران على تحقيق المستحيل، وأن القيادة النسائية في تونس قادرة على المنافسة على أعلى المستويات…. فقط افتحوا لهن المجال و ادعموهن حتى بالكلمات …
الحبيب العرفاوي
