في ولاية الكاف، شمال غرب تونس، وُلد محمد العبيدي في ظروف اجتماعية قاسية، يتيمًا، يواجه الحياة بلا سند مادي يُذكر. ومع ذلك، لم يستسلم الطفل المعجزة لليأس، بل حوّل كل لحظة ألم إلى فرصة، وكل عائق إلى خطوة نحو النجاح. والنتيجة؟ معدّل 18 في البكالوريا شعبة العلوم التجريبية، وسكور 195، كفيل بدخوله أفضل كليات الطب في البلاد… أو هكذا ظنّ الجميع.
المفاجأة الصادمة: توجيه إلى “علوم الآثار” بدل الطب!
رغم تفوقه اللافت، صُدم محمد العبيدي بتوجيهه نحو شعبة علوم الآثار بالقيروان، اختصاص لا يمت لطموحاته بصلة، ولا يعكس بأي حال من الأحوال جهده الجبار ولا معدّله المشرف. توجه مباشرة إلى وزارة التعليم العالي لتقديم تظلّم، فكان الرد الصادم: “ثمة تلاعب في المنظومة… والله غالب علينا وعليك.”
تلاعب أم خلل؟ أين حق محمد وحق كل مجتهد؟
الحالة التي تعرّض لها محمد ليست مجرد “خطأ تقني” عابر، بل مؤشر خطير على هشاشة منظومة التوجيه الجامعي في تونس، التي لم تنصف طالبًا تفوق رغم كل الصعوبات، وأثبت أن النجاح لا يحتاج إلا للإرادة والعمل. في بلد تتراجع فيه مؤشرات الأمل، كان محمد من المفترض أن يُكرم، يُحتفى به، ويوجه إلى كليّة الطب التي يستحقها عن جدارة… لا أن يُقصى من حقه بسبب “تلاعب أو خلل إداري”.
محمد العبيدي… أيقونة الأمل لشباب تونس
قصة محمد ليست مأساوية فقط، بل ملهمة أيضًا. هو نموذج حقيقي للنجاح رغم الفقر، وعنوان صريح لما يمكن أن يحققه الإصرار. فقد أثبت هذا الشاب اليتيم أن لا شيء مستحيل أمام من يملك الإرادة. ومن المؤسف أن المنظومة بدل أن تدعمه، خذلته.
لقد كان من الأجدر أن يتلقى وسام العزيمة والمثابرة، لا صدمة التهميش والخذلان. بل كان الأجدر بالدولة أن تُبرِز هذه القصة كنموذج للأمل، وأن تمنحه حقه لا كـ”صدقة” بل كاستحقاق.
خاتمة:
في خضمّ الأزمات التي تمر بها تونس، تحتاج البلاد إلى رموز أمل كمحمد العبيدي، الذي أعطى دروسًا في الكفاح لا تُدرّس في الجامعات. فهل تعيد الوزارة النظر في ملفه؟ وهل تتحرّك الأصوات الحرة لتُعيد لهذا الشاب حقه؟ الأمل لا يزال قائمًا… فربما يسمع من يملك القرار.